الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بعد منعها من دخول مصر: الدكتورة آمال قرامي تكشف في حوار خاص كل التفاصيل وتتوجه بهذه الرسالة

نشر في  06 جانفي 2016  (12:01)

هذا ردّي على من شوّهوا سمعتي

قاومت من منعني من دخول مصر دفاعا عن كرامة التونسيات وحفظا لنضالهنّ

 خطر على الأمن القومي المصري»، هي تهمة وجّهتها السلطات المصرية للكاتبة والدكتورة وأستاذة علم الاجتماع بجامعة منوبة في تونس آمال قرامي. وتسببت في «احتجازها» طيلة 11 ساعة من التحقيقات بشرطة ميناء القاهرة الجوي بعد أن وجّهت لها دعوة رسمية للمشاركة في المؤتمر الدولي لمواجهة التطرف الذي تستضيفه مكتبة الإسكندرية من 3 إلى 5 جانفي الجاري..
ونتيجة لما أثاره منع السلطات المصرية لاحدى حرائر تونس وهي دكتورة وجامعية، عرفت بأفكارها النيّرة والقيمّة، وما خلّفه من استهجان واستنكار حادين من قبل العديد من الأوساط حول الطريقة التي عوملت بها في مصر. ارتأت أخبار الجمهورية محاورة الاستاذة أمال قرامي لتروي لنا أطوار الحادثة وتكشف رسالتها للأطراف التي شنت حملة شرسة ضدّها..
وأيضا للخوض في العديد من المحاور فكان التالي...

- دكتورة، لو تكشفين الأسباب الحقيقية والخفية الكامنة وراء منعك من دخول مصر من قبل السلطات المصرية؟
لا أملك تبريرا رسميا، كل ما توصلت إليه هو ما صرح به أحد الأمنيين والمتمثل في <دواعي أمنية تتصل بالأمن القومي لمصر> ولكن في تقديري المسألة ذات وشائج بآرائي ومواقفي باعتبار أنني لا املك سوى صوتي وقلمي ولست امرأة أعمال ولا تاجرة مخدرات ولا عقلا مدبرا للمؤامرات والعمليات الإرهابية.وليس غريبا أن تصادر حقوق المثقفين والمبدعين فالتجارب العربية كثيرة وضاربة في عمق تاريخنا لا ترحّب في الغالب بالمختلفين فكرا وممارسة وتصورا.
- هل تعتبرين أنّ هذه الحادثة تدقّ ناقوس الخطر على مستقبل النخبة المثقفة في بعض البلدان العربية التي تعتبر أفكارهم مسا من أمنها القومي ؟
كانت الحجج في ما مضى تظهر في لبوس ديني : ازدراء الأديان، الردة، الاعتداء على المقدسات.... واليوم في سياق الإرهاب أضحت ملتبسة بقضايا الأمن القومي ومهما كان الأمر فإنّ الأفكار كانت ولازالت تزعج وتربك وتخلخل اليقينيات والثوابت والسياسات التي لا تحترم المواطن.
- اعتبرت أن حادثة منعك ومعاملة السلطات المصرية لك إرهابا.. وقلت انّك أدركت ما معنى أن تكوني تونسية ومعنى أن تكوني امرأة ونصفا.. فلو توضّحين ذلك؟
لم أطلق على تلك المعاملات هذه الصفة ولم أقل انها إرهاب وإنما قلت اعتبرتُ <إرهابية مهددة للأمن القومي»أما قولي امرأة ونصف فذلك راجع إلى تمسكي بحقوقي: حقي في المعاملة الحسنة فرفضت الزج بي في غرفة الحجز، وأصررت على أن يجلب لي العون العشاء، ودخلت في صدام مع بعض الأعوان لمعرفة حقيقة ما يجري وخاصة احتجازي بغير وجه قانوني ...وهذا الإصرار على المقاومة وعلى المواجهة والتمسك بحقوقي له صلة بتراكمات ونضالات النساء التونسيات وتمسكهن بكرامتهن وسعيهن إلى إثبات ذواتهن.
- أثار تصريحك الأخير بخصوص المثلية الجنسية، حين تحدثت عن وجود الغلمان داخل بيت الخلفاء ومخنّث ببيت الرسول استهجانا كبيرا، فما هو تعليقك؟
التعامل مع النصوص الدينية ليس بالعاطفة التي تدفع أغلبهم إلى تزييف الوعي وتغيير الوقائع وحجب الأحداث حفاظا على القداسة والأسطرة ... وإنما باعتماد المناهج العلمية وتسمية الأشياء بمسمياتها ...نحن لا نقرأ ولا نتفحص ولا نستقصي ...نجهل نصوصنا وتاريخنا ولذلك لا نواجه الحجة بالحجة ولا نقبل إرباك اليقينيات، وإنما نشتم ونعير ونتهجم ونشوه السمعة لاسيما إذا كانت المتكلمة امرأة وتلك الأمية الجديدة أو العبودية الجديدة تأسرنا اليقينيات ونهاب إعمال العقل ونسلّم بما يقوله الفقهاء وكأنه كلام الله.
- تمّ تعليق الاعتراف بجمعية شمس للدفاع عن الأقليات الجنسية «المثليين» فما تعليقك؟
في مسار ضمن فيه الدستور احترام حقوق المواطنين بقطع النظر عن اللون والجنس والدين والعرق...يعد التعليق والمنع مخالفا للدستور وذاك هو التحدي إما أن نلتزم بما تضمنه الدستور من مواد حافظة لحقوق المواطنين أو أن نتخذ سياسات تتضارب معها.
-  يعتبر الشاعر الكبير أدونيس انّ الديمقراطية لن تحقق بالعالم العربي الإسلامي مادام الدين مرجعا للقيم، وأنّ التقدم سيبقى مستحيلا طالما تسير السياسة مع الدين. فهل تشاطرينه الرأي؟
أعتبر أن المرحلة الانتقالية تساس مدنيا، فما دمنا قد اتفقنا حول مضمون الدستور فلا داعي للتأرجح والتلاعب بورقة «نحن مجتمع مسلم وهويتنا إسلامية> في اتجاه الأسلمة القسرية ومخالفة روح الدستور.  
- هل تعتبرين أنّ تونس مازالت أنموذجا يحتذى به في العالم العربي في ما يخصّ حقوق المرأة؟
حدث إرباك بشأن الأنموذج التونسي فالمغرب تتحرك بقوة في مجال تطوير حقوق النساء وفي بعض الحالات صارت هي المتقدمة علينا وهو ما يستدعي الشروع في مراجعة التشريعات وتعديلها في اتجاه المساواة.
- هل ترين أنّ تونس اليوم تحكمها سياسة دينية أم سياسة دنيوية؟
تونس مضطربة في منزلة بين منزلتين تتأرجح بين خيارات متعددة وسياسات تسير وفق المد والجزر أحيانا نرتقي إلى ما نطمح إليه وفي حالات أخرى نتراجع وهو أمر متوقع طالما أننا في مرحلة مخاض والإرادات تتصارع.
- وما هو تقييمك لسياسة حركة النهضة وتأكيدها أنها حركة حداثية وديمقراطية؟
الأداء اختلف بالضرورة فعندما كانت الحركة في الحكم بمفهوم الزعامة كانت تحاول فرض خياراتها بالقوة ولكنها أدركت أنّ التراكمات الفكرية والثقافية تحول دون توخي الأسلمة القسرية ولذلك غيرت سياساتها وارتأت التريث وعقلنة السياسات والمواقف وهذا أمر مشروع في السياسة .يبقى أن تثبت أنّها بالفعل قادرة على إقناع <كوادرها وأنصارها> بوجاهة خياراتها .
- وكيف ترين اليوم صورة ما يحدث في البلدان العربية بعد مضي 5 سنوات على ما يسمى بالربيع العربي؟
الوضع عسير ومعقد : حروب بالوكالة وتضارب مصالح واختلاف موازين القوى وظهور لاعبين جدد يجعلنا في منزلة الملاحظ والمتسائل والمرجح لقراءات مختلفة وكأنه لا مجال للبرهنة على ما سيؤول إليه الأمر.
- هل من خطاب توجهينه إلى الأطراف التي شنت ضدّك حملة شرسة بعد منعك من دخول مصر؟
المثقف محاط بمعجبين ومساندين وبشبكة تكرس التضامن ولكنه في ذات الوقت عرضة لحملات التشويه وهتك العرض والعنف اللفظي والرمزي وغير ذلك وهذا أمر طبيعي، باعتبار أن وظيفة المثقف هي خلخلة المنظومات المغلقة وإرباك بنية الاستقرار والتسليم والتبعية وحث الناس على إعمال العقل وممارسة الفكر النقدي. وهذا يرعب البعض لأنه من الصعب أن تغامر وتنطلق في البحث والتمحيص والتدقيق فذاك يتطلب وقتا وطاقة وصبرا جميلا وتضحية وشجاعة وجرأة على التعبير ...وفي المقابل يفضل أغلبهم التحول التعويل على ما يقوله الشيوخ والفقهاء وغيرهم وانتحال صفة المدافع عن الإسلام.
- إذن برأيك فهذه الأطراف لا تملك مجابهة الحجة بالحجة..
ما لاحظته أن هذه الأصوات لا تملك أن تقارع الحجة بالحجة وأن تتحلى بآداب النقاش والمناظرة لأنها لا تملك المعرفة وتتقن السب والشتم والتشويه والافتراء هي خائفة غير متصالحة مع تراثها غير منفتحة على فكر الاختلاف تستأسد عندما يتعلق الأمر بامرأة مثقفة تتناول الشأن الديني وكأنه حكر على الرجال وتخرج هذه الفئات من عقالها إذا كانت هذه المرأة من خارج دائرة <الإسلاميين> .
 ومع ذلك لا أملك إلا أن أشكر الذين  شوّهوا سمعتي لأنهم كشفوا عوراتهم فبانت عيوبهم وما عاد بالإمكان إسدال الستار على ما يدعيه البعض من تقوى وورع وتعلق بثوابت الإسلام...إنه عري يكشف الانحطاط الأخلاقي والفراغ الروحي والعطب.

حاورتها: منارة تليجاني